يُعدُّ بيكون عادة مؤسسا لتقليدٍ فكري يدعى «التجْرُبيَّة البريطانية» يمتاز باعتقاد أن جميع المعرفة لا بد أن يكون مصدرها التجربة الحسيَّة. فلقد ولد بيكون في زمن شهد انتقالا من الانشغال النهضوي بإعادة اكتشاف مُنجزات العالم القديم إلى منهج علمي في المعرفة. كان ثمة بعضا من الأعمال المبتكرة انتجها علماء عصر النهضة كالفلكي نيكولاس كوبرنيكوس والتشريحي أندريس فسيليس، لكن هذا العصر الجديد – الذي يدعى أحيانا عصر الثورة العلمية – أنتج عددا مُذهلا من المفكرين العلميين، ومنهم غاليلو غاليلي ووليم هارفي وروبرت بويل وروبرت هوك وإسحاق نيوتن.
ومع أن الكنيسة كانت مرحبةً بالعلم في عموم العصر الوسيط، إلا أن هذا تغيَّر مع تصاعد المعارضة لسلطة الكنيسة في عصر النهضة. فلقد اشتكى العديد من المصلحين الدينيين، كمارتن لوثر، من أن الكنيسة مُتساهلة في مجابهة التحديات العلمية للقصص الإنجيلية عن العالم. وردا على هذا، قامت الكنيسة الكاثوليكية – التي خسرت العديد من اتباعها لصالح المسيحية المُحْدثة التي جاء بها لوثر – بتغيير موقفها والاتجاه لمقاومة الانشغال العلمي. وقد أدت هذه المعارضة، التي شنها طَرَفا الخلاف الديني، إلى إبطاء ترقِّي العلوم.
ادعى بيكون أنه مُسلِّم بتعاليم الكنيسة المسيحية. لكنه قال بوجوب فصل العلم عن الدين، من أجل تسهيل وتسريع الحصول على المعرفة، ولأجل أن تستخدم في تحسين حياة الناس. وكان يُلح على الدور التغييري للعلم. وكانت إحدى شكاويه أن قدرة العلم على تحسين حياة البشر قد تُجوهلت سابقا لصالح التركيز على المجد الأكاديمي والشخصي.
قدم بيكون قائمة من الحواجز النفسية التي تحول عن تحصيل المعرفة العلمية وسماها «الأصنام العقليَّة»، وهي: 1. «أصنام القبيلة»، وهي نزوع الناس نزوعا جنسيا (أو “قَبَليًّا”) إلى التعميم؛ 2. «أصنام الكهف»، وهي نزوع البشر إلى فرض أفكار مسبقة على الطبيعة بدلا من رؤية الطبيعة كما هي؛ 3. «أصنام السوق»، وهي نزوعنا إلى السماح للأعراف الاجتماعية بتشويه تجربتنا؛ 4. «أصنام المسرح»، وهي الأثر المُشوِّه للمعتقدات الفلسفية والعلمية السائدة. وعلى العَاِلم أن يُجابه جميع هذه المعوقات لأجل أن يحصل على معرفة العَاَلم.
المنهج العلمي
ذهب بيكون إلى أن تقدُّم العلم يعتمد على صياغة قوانين تتصف بالعمومية اتصافا يتزايد بمرور الوقت. ويقترح منهجا علميا يحتوي نوعا من هذه الطريقة. فبدلا عن القيام بسلسلة من الملاحظات، كملاحظة الحالات التي تتمدد بها المعادن في الحرارة، ومن ثم استنتاج أن الحرارة تجعل المعادن تتمدد؛ يقول بالحاجة إلى اختبار نظرية ما بالبحث عن الحالات التي تَنْقُضُها – كوجود معادن لا تتمدد حين تتعرض للحرارة.
أدى تأثير بيكون إلى التركيز على التجارب العملية في العلم، لكنه تعرض للانتقاد لإهماله أهمية الطفرات التي تنتج عن الخيال في دفع التقدم العلمي.
حياته
ولد فرانسيس بيكون في لندن، وتلقى تعليما خاصا قبل أن يلتحق بكلية ترينيتي في كامبردج في عمر الثانية عشر. بدأ بعد تخرجه بالتدرب على المحاماة، لكنه تخلى عن الدراسة للعمل بمنصب دبلوماسي في فرنسا. أدى به وفاة والده في عام 1978 للفقر، وأجبره على العودة للممارسة العمل القانوني.
اُنتخب بيكون للبرلمان عام 1584، لكن أدت علاقته بإيرل ساسكس الخائن لتعويق مساره السياسي حتى صعود جيمس الأول للعرش عام 1603. عُيِّن عام 1618 رئيسا للقضاة لكنه طُرد بعد عامين عندما اُتهم بتلقي رُشى. أمضى بيكون بقية حياته بالكتابة والبحث العلمي، وقضى نحبه بعد إصابته بالتهاب الشعب الهوائية أثناء قيامه بحشو دجاجة بالثلج، وهي تجربة أجراها في مجال حفظ الأطعمة.
مؤلفاته
المقالات (1597)؛ تطوير التعلُّم (1605)؛ المنطق الجديد (1620)؛ أطلنطا الجديدة (1624).