إعْجَام

مدونة مروان الرشيد

بروتاغوراس (حوالي ٤٩٠ – ٤٢٠ ق.م): الإنسان هو المعيار

Protagoras v. Abdera / Gem.v.J.de Ribera - Protagoras of Abdera /Painting by Ribera -
المجال: الأخلاق – المذهب: النسبيَّة

أصبحت أثينا، في خلال القرن الخامس قبل الميلاد، دولة-مدينة مهمة ومزدهرة، ودخلت، تحت قيادة بركيلس (٤٤٥-٤٢٩ ق.م)، «عصرها الذهبي» في العلم والثقافة. فجذب هذا الناس إليها من جميع أرجاء اليونان. ووجد فيها من يُجيد القانون، وتفسيره، مغانم سهلة المنال. وكانت المدينة تُسيَّر بمبادئ ديمقراطية عامة، إلى جانب نظام قانوني قائم. وكان كل من يؤخذ إلى المحكمة يجب أن يرافع عن نفسه، فليس ثمَّ محامين. ولكن نشأت بعد قليل طبقة من المستشارين والمعلمين، وكان منها بروتاغوراس.

كل شيء نسبي

درَّس بروتاغوراس القانون والبلاغة لكل من كان بمقدوره دفع ثمن الدروس. وكانت تعاليمه تدور أساسا حول موضوعات عملية، لكسب قضية مدنية لا لأجل البرهنة على مسألة ما، لكن كان بمقدوره أبصار التبعات الفلسفية للأمور التي يُدرِّسها. فكل حجة، بالنسبة لبروتاغوراس، لها وجهان، كلاهما يمكن أن يكون صحيحا. ويزعم أن بوسعه «أن يجعل القضية الخاسرة رابحة»؛ مُبرهنا على أن القدرة على الإقناع، لا قيمة الحُجَّة، هو ما يَهُم. هكذا تبيَّن له أن المعتقدات ذاتية، وأن الإنسان، الذي يعتقدها، هو مقياس صحتها. وهذه الطريقة في التفكير، المألوفة في القانون والسياسية في ذلك الوقت، كانت جديدة في الفلسفة. فبوضعها الإنسان في المركز، استمرت في اخراجها للدين من التفكير الفلسفي، كما أنها حوَّلت تركيز الفلسفة من فهم طبيعة الكون إلى دراسة سلوك الإنسان. وبروتاغوراس مهموم أساسا بالمسائل العملية؛ لذا بدا له أن التأملات في عنصر الكون، أو في وجود الآلهة، أمرا عديم الفائدة. كما أنه عدَّ هذه الأمور أمورا يُحَال معرفتها.

screen-shot-2017-02-12-at-7-22-45-am

يتبع من القول بأن «الإنسان هو المعيار» أن المعتقدات نسبية وذاتية. وهذا ما يقود بروتاغوراس إلى رفض وجود تعريفات مطلقة للحقيقة والعدالة والفضيلة. فما هو حقيقي لشخص ما، زائف لشخص آخر. وتنطبق هذه النسبية على القيم الأخلاقية كذلك، كالصواب والخطأ؛ فليس ثمَّ شيء خيِّر بنفسه. فالشيء يكون أخلاقيا، أو صحيحا، لأن شخصا ما، أو مجتمعا ما، يعدُّه كذلك.

كان بروتاغوراس أشهر المعلمين الجوالين للقانون والبلاغة، الذين صاروا يعرفون بالسفسطائيين (من الكلمة اليونانية صوفيا، التي تعني حكمة). ولقد ازدرى سقراط وأفلاطون السفسطائيين، وعدوهم مجرد معلمي بلاغة. لكن بروتاغوراس مثَّل خطوة مهمة في الأخلاق تجاه رؤية أن ليس هنالك مُطْلَقَات. وأن جميع الأحكام، ومنها الأحكام الأخلاقية، هي أحكام ذاتية.

نبذة عن بروتاغوراس

ولد بروتاغوراس في أبْدَريا، شمال شرقي اليونان، لكنه جال كثيرا باعتباره معلما رحَّالا. وفي مرحلة من مراحل عمره استقر في أثينا، حيث أصبح مستشارا لحاكم الدولة-المدينة بركيلس، الذي فوضه كتابة دستور لمستعمرة ثورياي في عام ٤٤٤ ق.م. ولقد كان بروتاغوراس من القائلين باللاأدرية، وتحكي الأسطورة أنه حوكم لقلة التقوى، وأن كتبه أُحْرقت في الملأ. لم يبقى من كتاباته إلا الشذرات، رغم أن أفلاطون يناقش أقواله باستفاضة في محاوراته. ويُعْتقد أن بروتاغوراس عاش حتى السبعين، لكن تاريخ وفاته ومكانها مجهولين.

مؤلفاته

في الآلهة؛ الحقيقة؛ في الوجود؛ فن الجدال؛ في الرياضيات؛ في الدولة؛ في الطموح؛ في الفضيلة؛ في الوضع الأصلي للأشياء.